» المهدي عجل الله فرجه رحمة الله الواسعة (2)   » باب الله (1)   » خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1445 هجرية   » حقيقة الإيمان   » ماذا نهدي لإمام زماننا عجل الله فرجه الشريف   » القوم والعشيرة   » الخدم و المماليك   » صلة الأرحام   » إمام زماننا عليه السلام ميزان أعمالنا   » بر الوالدين (3)  


22/02/2014م - 5:06 م | عدد القراء: 11493

نسبه : هو السيد عبد الحسين بن الشريف المقدس السيد يوسف بن السيد جواد ابن السيد إسماعيل بن السيد محمد الثاني بن السيد محمد الكبير بن السيد شرف الدين إبراهيم بن زين العابدين بن علي نور الدين بن نور الدين علي بن عزّ الدين الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن محمد بن تاج الدين ...

شرف الدّين في سطور

طُبعت هذه السطور في مقدّمة كتاب ( أبو هريرة )

 

نسبه :

هو السيد عبد الحسين بن الشريف المقدس السيد يوسف بن السيد جواد ابن السيد إسماعيل بن السيد محمد الثاني بن السيد محمد الكبير بن السيد شرف الدين إبراهيم بن زين العابدين بن علي نور الدين بن نور الدين علي بن عزّ الدين الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن محمد بن تاج الدين المعروف بأبي الحسين ابن محمد ، ولقبه شمس الدين بن عبدالله ويلقب جلال الدين بن أحمد بن حمزة بن سعد الله بن حمزة بن أبي السعادات محمد بن أبي محمد نقيب نقباء الطالبيين في بغداد بن أبي الحارث محمد بن أبي الحسن علي المعروف بابن الدّيليمة بن أبي طاهر عبدالله بن أبي الحسن محمد المحدّث بن أبي الطيب طاهر بن الحسين القطعي ابن موسى سبحة بن ابراهيم المرتضى بن الإمام الكاظم بن الإمام الصادق بن الإمام الباقر بن الإمام زين العابدين بن الإمام أبي عبدالله الحسين سيد الشهداء وخامس أصحاب الكساء وسبط خاتم النبيين والمرسلين وابن أمير المؤمنين وسيد الوصيّين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

نسب تتابـع كابراً عن كابرٍ                  كالرمح أنبوب على أنبوبِ

 

نشأته :

ولد السيد عبد الحسين شرف الدين في مستهل جمادى الثاني لسنة ألف ومائتين وتسعين في المشهد المقدس الإمام الكاظم (عليه السلام) ، أثناء رحلة والده السيد يوسف لطلب العلم . وفي الثامنة من عمره رجع بصحبة والده إلى جبل عامل واستوطن قرية شحور ـ من أعمال صور ـ وكان خلالها محبوراً بحضانة والديه المبرورين حتى أخذ عنها أصول الدين وعقائده القيمة ، وطبع على إقامة الصلاة بشروط صحتها وجرى ذلك منه مجرى الروح من الجسد .

وكان قد قرأ القرآن على معلم من الصالحين في النجف الأشرف فجوّده في شحور على عمه السيد محمود شرف الدين وكان من الحفّاظ والقرّاء والبررة الأتقياء . ثم أخذ عن والده كثيراً من الدروس من العلوم العربية ، من الصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع والأدب العربي وعلم المنطق بكل ضبط واتقان ، وقرأ عليه فقه الإمامية وشرائع الإسلام .

ولما لمعت منه (قده) بوارق النجاح عزم والده على ارساله مع أخيه إلى جامعات الدين في العراق ، بعد أن أهلّه بكريمة صنوه الأكبر السيد محمد ، التي أعانته على مهمته وولدت له أولاده الستة حتى ماتت في النجف الأشرف عن عمر يناهز السبعين .

 

الرحلة العلمية (سامراء) :

زّمت ركائبه (قده) للرحيل في يوم الناسع من ربيع الأول سنة 1310هـ فأوصاه أبوه عند الوداع بتقوى الله عزوجل والإخلاص له تبارك وتعالى في طلب العلم ، ولما أنه كان (قده) وحيد والدته التي لم تستطع عنه صبراً ، كانت رفيقته في رحلته هذه ، وبصحبة أخيه الشريف البالغ إثنى عشر عاماً .. ومعه كريمة عمّه تحضن بكرها طفلة مفطومة ، ومعه وصيفة صالحة ناصحة اسمها سعيدة حملها معه للخدمة ، وعلى هذا وردوا المشهد الكاظمي ـ على ساكنه السلام ـ .

وحل ضيفاً على جده لأمه المقدّس السيد محمد هادي ثم آثر خالاه ـ السيد الحسن الصدر وابن عمه السيد اسماعيل الصدر ـ له أن يقيم في سامراء لطلب العلم وأمضى ذلك الرأي جدّه ، فأقام فيها سنة واحدة قرأ فيها شرح اللمعة في الفقه على المقدّس الشيخ باقر حيدر وكان عالما ذو بسطة في الفقه والأصول وعلوم العربية معدوداً من المبرزين ، ومباحث الألفاظ من فصول الأصول على المقدّس الشيخ حسن الكربلائي وكان من أعلام الفقه وأطواد الأصول وأبطال البحث والتنقيب مشبع القلب في الجدال والمناظرة .

 

شرف الدين

رحلته إلى النجف الأشرف :

بينا كان (قده) قد شمّر ذراعه وأمضى عزيمته ، وإذا بالفتنة تهبّ على سامراء حتى أقامت وأقعدت العراق وإيران والعالم الإسلامي ، فخرج (قده) من سامراء قاصداً النجف الأشرف ، وقد وجد استاذه الشيخ باقر حيدر قد سبقه إليها فانتجعه بدرس الفقه حتى سار به في (مكاسب) الشيخ الأنصاري سيرته في شرح اللمعة الدمشقية ..

وقد حضر على الشيخ علي بن الشيخ باقر بن صاحب الجواهر بعض كتاب الرّياض .

وورد شرعة السيد محمد صادق الإصفهاني من درس الأصول ، على كتاب فرائد الغصول ، وكان معروفاً في سبر غورها جامعة لاشتات العلوم والفنون أصولها وفروعها ، وما انتهى من هذا الكتاب حتى انضوى مع استاذه إلى منبر الشيخ محمد كاظم الخراساني (وكان حينها شارعا بتأليف الكفاية ، فكان كلّما دوّن درساً منه ألقاه) وحوزته تربو على الثلثمائة من أهل الفضل والتحقيق .

فلم يفته من محاضرات الآخند فقهاً وأصولا بحث واحد حتى عاد إلى عاملته .

وكان قد عكف أيضاً في الفقه على بحق العلمين الجليلين الشيخ محمد طه نجف والشيخ آغا رضا الهمداني ، ووقف في الفقه أيضاً على الشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة الإصفهاني ، وكان من أعلام الفقه والأصول وكانت له إذ ذاك حوزة عظيمة ، حتى اختصّه (قده) ببعض المسائل المشكلة ، فكلّفه باستنباط حكمها / فامتثل ـ المرتجم (قده) ـ امره ، حتى وقف على كتابه ذالك وأتمّه وتقبّله الاستاذ منه بقبول حسن .

ووقف في أواخر أيامه على المقدس الشيخ عبد الله المازنراني وكان بحراً لا يسير غوره ولا ينال دركه وكانت له حوزة عظيمة ، حتى علم المانزدراني بانشغال المترجم (قده) في شرح التبصرة فأحب أن يرفع إليه ما أخرجه من ذلك فكان يقرأ بين يديه شيء من الشرح ويساله عن دقائقه حتى قال له : ما كذبتني والله فيك الظنون .

ووقف في علم الدّراية والرواية على خاتمة المحدثين المقدّس الشيخ حسين النوري ـ صاحب المستدرك ـ إذ كان وجهة الأعلام ، ومن حملة السنن النبوية وحفظة الآثار المقدّسة ، فعرف منه الإخلاص في كل ما يصدر عنه قول وفعل ، حتى قال (قده) في حقه :

" فأخذ بمجامع قلبي وملك حبه عناني ، فكنت اتبع أثره إتباع الفصيل أثر أمه ، وكان يبسط لي أعطافه ويوسع لي أكنافه ، لم يأل في تربيتي جهداً ولم يدّخر عني وسعاً ، وأجازني إجازة مفصلة ، فكنت مغتبطاً بحسن ظنّه ، محبوّاً بثنائه محبوراً بدعائه ، حتى قضى نحبه مبروراً مشكوراً ، أعلى الله مقامه ، وأجزل إكرامه " .

فلما أن أتى على كل ما تقدّم من متون وبحوث ، عمل على التدريس والإفادة مدة طويلة ، حتى أقفل راجعاً إلى عاملة منقلباً إلها أجمل منقلب بعد اثنتي عشرة سنة قضاها في سبر الفقه والأصول والدراية والحديث ، حتى أنه لم يتصل بغير أهل العلم ولم يتعرف على أحد سواهم من سائر أهل العراق ، بل لم ير من حواضرها وبواديها غير المشاهد الأربعة والكوفة وبغداد .

 

 

مشايخة في الإجازة :

لقد كان حظّ المترجم (قده) وافراً في إجازته ، حتى ذكر مشائخه على سبيل التفصيل في كتاب أفراده لذلك أسماه (طبقات الرواة) وأوردهم ايضاً في رسالة طبعت أسماها 0ثبت الإثبات في سلسلة الرواة) ، فكان في طليعتهم :

1ـ المقدس كبير الفقهاء وشيخ الطائفة في عصره الشيخ محمد طه نجف (قده) أجازه إجازة عامة منمّقة مؤرخة : مستهل محرم عام 1322هـ .

2ـ الإمام المقدس الشيخ محمد كاظم الخراساني (قده) أجازه إجازة عامة مفصلة ، مؤرخة : يوم التاسع من ربيع الأول 1321هـ .

3ـ الفاضل المقدس الشيخ آقا رضا الهمداني (قده) أجازه إجازة عامة مؤرخة : يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة 1320هـ .

4ـ العلامة الفقيه الفاضل الشيخ عبد الله المازندراني (قده) ، أجازه إجازة عامة مؤرخة : سلح صفر سنة 1320 هـ .

5ـ الإمام المقدس الفقيه البارع في سائر العلوم والفنون الشيخ فتح الله الشيرازي ـ المعروف بشيخ الشريعة الإصفهاني ـ أجازه إجازة عامة مؤرخة : رابع شهر محرم الحرام سنة 1321هـ .

6ـ المولى الجليل الإمام الفاضل السيد إسماعيل الصدر (قده) ، إذا كتب كتاباً مؤرخاً بـ16 ذي الحجة 1326هـ أهل صور بعد أن استوطنها المترجم (قده) يحوي إجازته العامة له ، ووصيّته لهم به .

وقد أجاز (قده) عدداً كبيراً من تلامذته ذكرهم في بعض مؤلفاته .

 

عودته (قده) إلى بلاده :

زمّت ركائبه (قده) من النجف الأشرف في التاسع من ربيع الأول سنة 1322 هـ بصحبة والدته وأخيه ، حتى قارب دمشق ، وكان قد خرج أبوه لاستقباله في ثلّة من مؤمني دمشق وعالمة ، يتقدمهم العلاّمتان السيد محسن الأمين والشيخ محمود مغنية (قده) .

ولم يزل في طريقه إلى عاملة يستقبل من قبل أعلام تلك البلاد ويحتلف به حتى وصل عاملة ، فازدحم الناس لاستقباله ، وتسارع العلماء والوجهاء للترحيب به ، فعقدت له المحافل ونظمت في مقدمه درر القصائد . فلما أن استقر به المقام طلب أهل صور منه أن يحمل على كاهله التصدّي لأمور الدين ونشر الأحلام فأجابهم (قده) إلى ذلك ..

فأتاها في منتصف ذي الحجة سنة 1325هـ واستقر فيها فانتظمت بعزمه وهمّته أُلفة المؤمنين ، فكان يعقد الإجتماع بهم للصلاة وإلقاء الدروس في باحات بيوت بعض المؤمنين من أهل تلك المحلّة .. حتى اكتظت الأندية واحتدشت الجلسات .. فصار يطرق الحميّة فيهم ، ويثير شهامتهم للعمل الجاد ، لبناء جامع أو محلّ ، يوقف لذكر الإمام المظلوم سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) .. فاستجابوا له وأوقفوه بيتاً أسموه (الحسينية) ، فقامت فيهم مقام المسجد إحدى وعشرين سنة ، واستغلت لذكر مصائب آل محمد وإلقاء الدروس .

 

ثم عاد (قده) ليثير فيهم الهمّة والعزم حتى شاد مسجداً كان مناراً ، منه ينطلق نور العلم ومشعل الهدى ومن مأذنته السّامية تعلن شهادة التوحيد لله عزوجل والنبوة لرسول الله (ص) والولاية لعلي وولده (ع) . حتى صنع منه مدرسة كبرى وجامعة علمية عظمى ، يتربى روّادها على الفضيلة ، ويتغذّى روّادها منها بفكر آل محمد (ص) .. ولم يتوقف (قده) بعد ذلك عند حدّ في العزم والجد ، حتى أسس المدرسة الجعفرية معقلاً منيعاً ، ومنبتاً طيباً لحاملي الفكر الإسلامي الأصيل .

ولم يكن هذا وذاك بالسهل اليسير ، بل كابد من أجل نجح ذلك أنواع المحن ، وواجه صنوف البلايا ، فذلّلها بعزمه ، وروّضها بشجاعته .. حتى حققّ الجزيل من المشاريع القيّمة ، العائدة على المجتمع بالنفع ، وبنى صروحاً خالدة باقية تعدّ بصمات محفوظة له على جبين الأمة ، لم تأخذه في الله لومة لائم أو تعقد به تلك المآسي السياسيّة أو الاجتماعية التي حاصرته وعاصرته ، من ضغوطات وارهاصات استعمارية واحتلالات قسرية .

فقد جرّته الأحداث المرّة ، والصروف القاسية ـ بعد ذلك ـ إلى السفر إلى دمشق ، وحيفا ومصر ، حتى تشرّد مدة ثلاثة عشر شهراً وثمانية عشر يوماً كان مبدؤها شهر رمضان سنة 1338 ونتهاها في الثامن عشر من شوال 1339هـ .. فكان له استقبال عظيم في صيدا وصور ، حتى ألقيت في محضره القائد وأشيعت لمقدمة البشائر .

 

أسفاره (قده) :

خلال فترات متفرقة قام بالرحيل إلى المدينة المنورة لزيارة النبي الأعظم (ص) وأولاده الأئمة (ع) في البقيع ، فأقام معزّزاً مكرّماً في رفدة وجهائها وأعيانها حتى صام فيها شهر رمضان 1328هـ . وأمّ في سفرته هذه مكة المكرمة ، فاستقبل أعظم استقبال ، حتى شارك في تغسيل الكعبة المكرمة ، وصلى الفرائض الخمس جماعة في المسجد الحرام ومسجد الخيف ومسجد جده ، من جماعة لم يعهد ثمة نظيرها في تاريخ الطائفة .

وكان السيد (قده) قد تاقت نفسه لزيارة مصر والإطلاع على الأزهر الشريف ، الذي يعد منارة للعلم ومنتجعاً للثقافة الإسلامية ، فعزم على أمّها في أواخر سنة 1329 وكان لهذه الزيارة أثر محمود في نفس السيد (قده) وفي حياته ، إذ توغّل في الحياة العلمية ، واستبطن دخائل المجتمعات الأدبية ، بالتحدث إلى العلماء والسماع منهم وتبادل الزيارات بينه وبينهم وبالمناظرة في أهل المسائل العلميّة التي كانت مدار البحث ومحكّ الفضيلة ..

وكان قد بدأ جولته بالحضور في جورة الشيخ سليم البشري المالكي ـ شيخ الأزهر يومئذ ـ إذ كان يلقي درساً في مسند الإمام الشافعي سنجاً ومتناً ، مما يدعو السيد (قده) للمناقشة ، حتى كان ذلك سببا لاتصال المودة بينهما والاحترام المتبادل ، حتى طالت الاجتماعات بينهما وتشاجنت الأحاديث وتشعب البحث حتى تمخّض عنه كتاب المراجعات ، وفي ذلك يقول السيد (قده) :

ولو لم يكن من آثار هذه الزيارة إلا هذا الكتاب لكانت جديرة بأن تكون خالدة الأثر في حياتي على الأقل . واتصل أيضاً بكثير من أعلام مصر الذين زاروه وزارهم كالعلاّمتين الشيخ محمد السلموطي والشيخ محمد بخيت ، حتى أقام بذلك أواصر الاتّصال الفكري بين مدرستي النجف والأزهر الشريفين ..

فلم يغادر مصر إلا وخرج باجازات عامة مفصلة من أعلامها كالبشري وبخيت والسلموطي وغيرهم ، عقليّة ونقليّة .. وكان رجوعه من مصر في جمادى الأولى سنة 1330هـ وقد حمله الحنين إلى مصر لزيارتها مرّة أخرى ، لما وجده عند علمائها من استقبال وعشق للبحث والتنقيب ، وموضوعية وتواضع ظاهرين .

 

إلى العتبات المقدسة :

ولم يكن سيدنا المترجم لينسى أو يسلو حنينه وشوقه إلى المشاهد المقدسة في العراق ليأخذ حظه من ذكر الله فيها ، حتى توجّه إليها سنة 1355هـ ، وما أن بلغ أهلها بنأ سفره حتى تسابق وجوهها إلى الاستعداد لاستقباله حتى أظهروا من الترحيب واللّطف معه ما هم أهله ممّا يستحق ، وقد هرع السيد محمد الصدر ـ ابن خال السيد ـ وكان رئيس مجلس الأعيان فأبرق يستحثّه مرحبا بقدومه ، وقد أوعز على جرائد بغداد فأخبرت مرحّبة بالسيد (قده) وعرضت شيئاً من سيرته وموافقه في سبيل مجد العرب ، ومقالاتهم تحت عنوان (قدوم عالم كبير) .

فخرج السيد (قده) حتى اجتاز بدمشق فزار عقيلة آل أبي طالب زينب الكبرى (ع) في الرواية ، والسيدة رقية ومشاهد أهل البيت في مقبرة باب الصغير من الشام ، والمقام الحسيني قرب الجامع الأموي .. ثم تابع المسير حتى أتى الرمادي ففلّوجة فبغداد فالكاظمية ضمن استقبال وترحيب رسمي وشعبي . وقد ازدحم الأعيان والعلماء وشيوخ العشائر لاستقباله ، في أبهّة منقطعة النظير ، فأقام في منزل سماحة السيد الصدر ، فتواترت عليه الوفود ترحّب به وتهنّي بقدومه .

فقد زاره باسم الملك غازي مؤتمن بلاطه السيد باقر يحمل عواطف الملك وترحيبه . وزاره وفد من النجف الأشرف من قبل آية الله السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني يحمل موّدة السيد له ، والحمد لله على سلامته . واختلفت إليه علماء بغداد والكاظمية وفاضت الصحف بذلك عمّا عمّر من الحفلات واشترك من الخطباء والشعراء . وكان السيد قد اغرورقت عيناه بالدموع ، وافترّ ثغره ببسمة ومشت في جسمه عواطف متناقضة حيث سمع في أفق الطاظمية صباه ينادي مشيبته ، فعلى تلك الارض نما في أعماقها غرسه ، وأفرع على أديمها غصنه .

فكأن القائل عنه يقول :

بلاد بها نيطت عليّ تمائمي       وأول أرض مسّ جسمي ترابها

 

وكان موسم عرفة في مشهد مولانا الحسين (ع) يتأذّن موعده ويدنو وقته ، فراح قاصداً تلك الروضة ، فاحتشد رجالاتها تشرق من ثغورها البشاشة ويضيء خمن جبينها الاستبشار بقدومه ، حتى مشى مترجلاً بين التهليل والتكبير يأتم به الجمع الوقور إلى مشهد العباس (ع) لقربه من باب البلد ثم إلى مشهد الحسين (ع) .

واقيمت ثمة الولائم ونظمت له القصائد ، وتسابق الوجوه إلى دعوته ، حتى انقضت أيام الموسم .

ثم أمّ النجف الأشرف وهي أكرم مدينة عليه ، فهي عاصمة الدين والعلم وحاضنة أسد الله وسيفه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فجال بمعاهدها بعد زيارة راعيها (ع) ، وكان مرجعها ـ يومئذ ـ آية الله السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (قده) .. فعاينها ترفل بأعيان الفقهاء وأبرار العلماء ، في طليعتهم السيد الشريف المحسن الحسني الطباطبائي الحكيم ، وخاتمة المحقّقين المدقّقين ، بقية الفقهاء والأصولين الشيخ ضياء الدّين العراقي وحجة الإسلام وعلم الأعلام الشيخ محمد حسين بقية آل كاشف الغطاء الممتاز بالموهبة الأدبية النادرة ، إلى ملكته العلمية الراسخة ، وكانت تربطه بالسيد علاقة وصداقة وثيقة وبينهما مراسلات أخوية تقطر أدبا ووداً وعلماً .

 

وانثال الخطباء والعشراء على المشاركة في احتفالات الاستقبال والتهنئة بقدوم السيد إلى النجف الأشرف حتى أقام فيها زائراً عزيزاً لإمام أمير المؤمنين (ع) . وكان السيد قد هاجت عزيمته وازدحم الشوق في صدره توقاً لزيارة مشهد أبي الحسن الرضا (ع) في خراسان ، فشّد إليها قصده في محرم عام 1356هـ في سيارة خاصة حتى اجتاز بمدينة قم وأمّ الضريح الشريف والروضة المقدسة للسيدة فاطمة المعصومة بضعة الأمام الكاظم (ع) .

وكان قد أمّ مجتمعها العلمي الشيخ عبد الكريم اليزدي بسمته وهديه ، فكانت له الزعامة حتى لحق بربّه سنة 1355هـ فتولّى الأمر بعده السيد صدر الدين الصدر ، بروح عالية ، ونفس للهدى متفانية ، فقبض بيده دفّة التدريس فكان موجهاً متّبعاً . فنزل السيد (قده) عليه ضيفاً وأقام في داره خمسة أيام كان فيها مادّاً باعه في حسن الضيافة ابعد الغايات ، يخف للندى ويرتاح للقرى ..

ثم غادر قم ، متوجهاً إلى مشهد أبي القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي ابن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ومشهده في ضاحية من ضواحي طهران تدعى باسمه ، فأقام مجاوراً مشهده ليلتين كان يختلف فيها للصلاة والزيارة لمرقده ليلاً نهاراً . ثم تكلف مشقاتت الطريق الوعر ، وكابد دربه الخطر حتى وصل إلى طوس عاصمة خراسان ، مملكة الإمام الثامن الضامن علي بن موسى الرضا (ع) فذهب رأساً إلى مشهده الكريم وتمسح بأعتابه في خشوع وحنين وتبتّل ..

ولما أن شاع خبر وروده إلى طوس حتى هيّئت له دار كبير علماء إيران حينئذ الإمام السيد حسين القمي ـ وكان حينها غائباً عن خراسان ـ وأقيمت لأجله الاحتفالات والمراسم والمأدب . ثم عاد السيد (قده) إلى بغداد ، وكان السيد محمد الصدر ينتظر عودته بنفر من أهله فأقام فيهم نحو تسعة عشر يوماً ورحل بعدها إلى صور ، وألقى عصاه فيها ، واستقر بها مدة ، كان يتنقل فيها للتبليغ بين قرى البلاد ، رغم شيخوخته وعجزه .

 

وفاته :

لم تسلمه يد العلّة والضعف حتى غواه المرض ، فأصابه (كريب) وتبعه اشتراكات في الجسم والرئة مما أوجب الخطر على حياته الغالية ، حتى نقل إلى مستشفى (أوتيل ديو) ..

إلى أن كان صباح الاثنين : الثامن من جمادى الآخرة سنة 1377هـ ، الموافق الثلاثون من كانون الأول 1957م ، الساعة الخامسة والنصف صباحاً التحقت روحه بباريها ، فجاور أجداده الطاهرين ، وأورث المسلمين لوعة وأسى ، شمل الكبير والصغير والغني والفقير .

ثم نقل جثمانه بجوّ ملؤه الحزن والبكاء إلى بغداد ومن ثم إلى الكاظمية ومرّ بنعشه على كربلاء ومنها إلى النجف ، فخرج العلماء الأعلام والمراجع العظام لأداء حقّه ، يقدمهم السيد محسن الحكيم والسيد الحمامي والسيد أبو القاسم الخوئي والشيخ مرتضى آل ياسين (قده) وغيرهم كثيرون . وبعد الصلاة عليه دفن في غرفة من غرف الحضرة العلوية الشريفة فأقيمت لتأبينه الفواتح من قبل المراجل ، فضج العالم الإسلامي لفقده ، وبكى لفداحة المصيبة وعظيم الخسران .

هيهات أن يأتي الزمان بمثله          إن الزمان بمثله لضنين

 

مؤلفاته (قده) :

لقد ترك الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين (قده) آثاراً كثيرة ومهمة إشتهر بعضها اشتهار الشمس في رابعة النهار واحترق بعضها في كورات مؤلمة مفصلّة ، وبقي منها ما يرجى أن يرى طريقه إلى النور ، ومجموعها على سبيل الحصر :

1ـ شرح التبصرة : شرح مزجي استدلالي ، خرج منه ثلاث مجلدات ، ضمّ دقيق الاستدلال واستخراج المخبآت ، جانب في الإيجاز المخل ، والأطناب الممل .

2ـ تعليقة على استصحاب رسائل الشيخ الأنصاري .

3ـ رسالة في منجزات المريض ـ استدلالية ـ .

4ـ كتاب الفوائد والفرائد : يشتمل على مسائل ، بعضها من مشكلات الفقه وأخرى من مشكلات الأصول ، مجلد واحد .

5ـ تحفة الأصحاب في حكم أهل الكتاب .

6ـ سبيل المؤمنين : ثلاثة مجلدات في الإمامة العامة ، بعد رسول الله (ص) وقصرها على الأئمة الاثنى عشر (ع) بحكم الأدلة القاطعة والنصوص التي لا يجحد الجمهور صحة أسانيدها .

7ـ النصوص الجلّية في إمامة العترة الزكية : يشتمل على ثماني نصاً ، أربعين منها من طريق الجمهور ، وأربعين مما انفردت به الإمامية في الإمامة .

8ـ تنزيل الآيات الباهرة في فضل العترة الطاهرة : مجلد واحد يشتمل على مائة آية من آياتهم (ع) ، وبيان تفسيرها وتأويلها ونزولها فيهم ـ عن طريق الجمهور ـ .

9ـ المجالس الفاخرة ، في مآتم العترة الطاهرة :

المجلد الأول :من سيرة النبي (ص) والأدلة على نبوته ، وأخلاقه وسمته وسائر شؤونه .

المجلد الثاني : في أمير المؤمنين وسيدة نساء العالمين وولدهما الحسن المجتبى وسيد شباب أهل الجنة (صلوات الله عليهم أجمعين) .

المجلد الثالث : خاص بسيد الشهداء (ع) .

المجلد الرابع : في التسعة المعصومين (ع) على منوال التفصيل المتقدم في المجلد الأول .

10ـ الذريعة في نقض البديعة : وهي رد على بديعة الشيخ يوسف النبهاني البيروتي التي لفّقها ذداَ على الشيعة ، مدافعاً عن معاوية وفئته الباغية .

11ـ تحفة المحدثين في من أخرج عنه السنة من المضعّفين : مجلد واحد هو الأول من بابه ، رتبّه ترتيب الحروف كسار معاجم الرجال .

12ـ مختصر الكلام في مؤلفي الشيعة من صدر الإسلام : كتاب رتّبه على الطبقات ، خرج منه مجلد واحد ، ونشرت منه مجلة العرفان تراجم عدة من التابعين وتابعيهم .

13ـ بغية الفائز في جواز نقل الجنائز : رسالة حافلة في الرد على من شنّع على الطائفة بجوار نقل الجنائز إلى المشاهد المشرفة وقد نشرت في مجلة العرفان .

14ـ بغية السائل عن تقبيل الأيدي ولثم الأنامل : رسالة ألفها رداً على من زعم تحريم ذلك ، وأورد فيها أربعين حديثاً من طريق الجمهور ، وأربعين من طريق الإمامية في جواز ذلك .

15ـ زكاة الأخلاق : رسالة شريفة نشرت في مجلة العرفان .

16ـ تعليقة على صحيح البخاري : مجلد واحد .

17ـ تعليقة على صحيح مسلم : مجلد واحد .

 

قال السيد (قده) :

وهاتان التعليقتان من أنفس ما أخرجه قلمي ، بحثا فيهما عن أسانيد الكتابين ، ومتنيهما ، هناك الفوائد والعوائد .

18ـ كتاب الأساليب البديعة في رجحان مآتم الشيعة .

19ـ كتاب المراجعات : أو المناظرات الأزهرية والمباحثات المصرية ، مجلد واحد ، وقد تقدّم في هذه المقدمة شي عنه ، وهو من أنفس كتب الإمامية في الإمامة طبع مراراً وتكراراً وترجمه العلامة الكبير السرّدار الكابلي إلى الفارسية .

20ـ الفصول المهمة في تأليف الأمة .

21ـ الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء .

22ـ أجوبة مسائل موسى جار الله : وهي عشرون مسألة رفعها إلى علماء الامامية في الهند ثم إيران ثم العراق فلم يأبهوا به ، فظن أنه أحرجهم ، فرد عليه السيد وبيّن له زيفه وتخرصاته الفاسدة فخاصمه حتى خطمه .

23ـ فلسفة الميثاق والولاية : وهي من جملة مباحث الإمامة القرآنية .

34ـ الفضائل الملفّقة وأحاديثها المختلفة : وهي وحيدة في بابها .

25ـ إمارة الحج ، أو نبذ العهد سنة تسع : أثبت فيها اسناد الأمرين كليهما إلى أمير المؤمنين (ع) وأن أبا بكر لك يحضر الموسم في تلك السنة ، بالأدلة القاطعة والشواهد الساطعة .

26ـ خرافة الغرانقة : أو سخافة الزنادقة ، أثبت فيها أن حديث تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترجى من أباطيل الزنادقة .

27ـ طبقات الرّواة : أو مشايخ الاجازات ، رسالة فصّل فيها طقه في الاسانيد المتّصلة بالنبي (ص) وهو أوسع مما يليه .

28ـ ثبت الإثبات : في سلسلة الرّواة .

29ـ بغية الراغبين في سلسلة آل شرف الدين : وهو كتاب حاوٍ جامع لتراجم هذه الأسرة المباركة ، حتى استوفى فيها ترجمة نفسه .

30ـ إلى المجمع العلمي العربي : رداً على محمد كرد علي وما افتراه على الشيعة في مجلة المجمع .

31ـ النص والاجتهاد : في موضوع اجتهاد العلماء في مقابل النّص .

32ـ حول الرؤية : حول إمكان رؤية الله عزوجل يوم القيامة أو امتناعها ، فيثبت فيها امتناعها خلافً لرأي الأشاعرة .

33ـ أبوهريرة : كتاب يصوّر هذا الصحابي المشهور من جميع نواحيه بأجلى مظاهر التمثيل ، وقد ترجم إلى اللغة الأوردية وطبع ، وهو هذا الكتاب الذي بين يديك .

 

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

محمد جمعة بادي

قم المقدسة ، غرة جمادى الأولى 1416هـ

 



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «1»

22/02/2014م - 8:38 صالقبطان / حميد - الكويت
حفظكم الله شيخنا المبجل على هذه المعلومات القيمة



اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:  
عدد الأحرف المتبقية: