» المهدي عجل الله فرجه رحمة الله الواسعة (2)   » باب الله (1)   » خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1445 هجرية   » حقيقة الإيمان   » ماذا نهدي لإمام زماننا عجل الله فرجه الشريف   » القوم والعشيرة   » الخدم و المماليك   » صلة الأرحام   » إمام زماننا عليه السلام ميزان أعمالنا   » بر الوالدين (3)  


25/02/2014م - 12:52 ص | عدد القراء: 7824

أكثر مصطلحات القرآن الكريم يحتاج إلى دراسة متأنّية لاستيعاب معانيها ، وينبغي التّحقيق في منشأها وأصلها اللغوي والتثبّت من إمكان حملها في الوجه المقصود، فربّ مصطلح دارج في جهة لا علاقة له به ، والعكس صحيحٌ أحياناً، ومن تلك المصطلحات التي ينبغي التحقيق فيها: " الشّعائر الحُسينيّة ".

الشعائر الحسينية

في آفاق اللغة والإصطلاح الديني

مقدّمة كتاب الشعائر الحسينية للخطيب د الشيخ محمد جمعة

 

أكثر مصطلحات القرآن الكريم يحتاج إلى دراسة متأنّية لاستيعاب معانيها ، وينبغي التّحقيق في منشأها وأصلها اللغوي والتثبّت من إمكان حملها في الوجه المقصود، فربّ مصطلح دارج في جهة لا علاقة له به ، والعكس صحيحٌ أحياناً، ومن تلك المصطلحات التي ينبغي التحقيق فيها: " الشّعائر الحُسينيّة ".

قال الجوهري في الصّحاح: الشعائر أعمال الحج، وكل ما جعل عَلَما لطاعة الله تعالى، وقال الأصمعى: الواحدة شعيرة.

وفي القاموس المحيط: شَعائِرهُ مَعالِمُه التي نَدَبَ اللّهُ إِليها وأمَرَ بالقيامِ بِها.

وقال الشيخُ الطّريحي (ره) في المـجمع : " قوله تعالى: >وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ< أي جعلناها لكم وجعلناها من شعائر الله لكم، فيها خير: أي ما من ظهرها وبطنها، وإنما قدّر ذلك لأنّه في المعنى تعليل لكون نحرها من شعائر الله، بمعنى أن نحرها مع كونها كثير النفع والخير وشدة مـحبة الإنسان من مال من أدل الدلائل على قوة الدّين وشدة تعظيم أمر الله، قوله: >إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ< أي هما من أعلام مناسكه ومتعبداته، قوله: >لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ<.

قال الشيخ أبو علي: اختلف في معنى شعائر الله على أقوال، منها لا تحلّوا حرمات الله ولا تتعدّوا حدوده، وحملوا الشعائر على المعالم، أي معالم حدود الله وأمره ونهيه وفرائضه، ومنها أن شعائر الله مناسك الحج، لا تحلوا مناسك الحج فتضيّعوها، ومنها أن شعائر الله هي الصفا والمروة والهدي من البدن وغيرها.

ثم حكى قول الفراء: كانت عامة العرب لا ترى الصفا والمروة من الشعائر، ولا يطوفون بينهما، فنهاهم الله عن ذلك، ثم قال: وهو المروي عن أبي جعفر (ع) ، ومنها لا تحلّوا ما حرّم الله عليكم في إحرامكم، ومنها أن الشّعائر هي العلامات المنصوبة للفرق بين الحل والحرام نهاهم الله تعالى أن يتجاوزوها إلى مكة بغير إحرام إلى غير ذلك، ثم قال بعد استيفاء الأقوال: وأقواها الأوّل ".

وبعد استقصاء كلمات أهل اللغة يمكن لنا الخلوص إلى أنّ الشّعائر تصدق في كل ما جُعل عَلَماً لطاعة الله تعالى ومظهراً لقوّة الإسلام وأهله، وكلّ ما صار شعاراً عرف به أهل الدّين، فشعائر الحج المصطلحة تعدّ من أقوى الدّلائل على قوة الدّين وشدّة تعظيم أمر الله تعالى وأهم سبل إلفات النظر إلى الدّين، ومن هذا المنطلق فإنّها معالم الدّين التي تضمّ فرائضه وأمره ونهيه. وكلّ ما من شأنه أن يتّصف بهذه الصّفات فهو مصداقٌ لشعائر الله تعالى.

ومعلومٌ أنّ الدّين هو مـجموع الأحكام الواصلة إلينا بالطّريقين المعصومين المعبّر عنهما بالثقلين، أما الأوّل فهو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الثّابت وصوله إلينا بالتواتر القطعي. والثاني فهو سنّة النبي المصطفى (ص) وأهل بيته الطاهرين G الذين ثبتت إمامتهم بطرق العقل والنّقل، ووجب طاعتهم واتّباعهم.

وأيّ مَعلَم ديني يشكّل ظاهرة في الإسلام يؤسّس من هذين الطريقين فهو شعار ديني مقدّس، يجب حفظه والذبّ عنه، ويصدق ذلك في جملة الأحكام المعلومة التي أصبحت سمة المسلم وعلامة إسلامه، وخصوصاً تلك التي تؤكّد جانب المظهر والإستعراض والشّعار وتعكس قوّة الوجود، كالشّهادتين مثلاً، فهي تنمّ عن أصول الدّين وفروعه بشكل مـجمل، ومـجموع تلك المظاهر تسمّى " شعائر ".

ولمّا أن كان التشيّع ومذهب أهل البيت (ع) هو فكر الإسلام الأصيل من غير زيادة أو نقصان فقد إتّسم بمظاهر وشعارات خاصّة هي شعائر الإسلام أصلاً، إلاّ أنّه نُسبت لمذهب أهل البيت (ع) تمييزاً لها عن سائر أطياف أهل الإسلام ومدارس الفكر الإسلامي الذين ارتضوا غير أهل البيت (ع) حجّة لهم في الدّين، وقدّموا الصّحابة على القرابة، ورفضوا النّص الصحيح الصّريح الجلي في آل مـحمّد (ص) ، ولم يلتزموا بشعائر أهل البيت (ع) على أنّها دينٌ يدان به، علماً أنّ كثيراً منها ثابتٌ في مصادر أهل السنّة والجماعة متواتراً عن النبي (ص) الأسوة القدوة، غير أنّهم أهملوها لكونها السّمة والمظهر والشّعار لشيعة أهل البيت الأبرار الذين وفّقهم الله تعالى لرفعه في حين زهد الآخرون فيه.

 

شعائر

وبينما قد منّ الله سبحانه على شيعة أهل البيت (ع) بحمل هذه الأمانة وشرح صدرهم لرفع هذا الشّعار فإنّ في بعض المنتسبين للتشيّع من سلبه الله تعالى توفيق قبوله، فإنّ من أهم شعارات المذهب الحق الشّهادة الثّالثة لأمير المؤمنين (ع) بالولاية وقد زهد فيها بعض الضّعفاء.

والذي يراه عامّة الفقهاء أنّ الشّهادة الثّالثة قد احتلّت منزلة الشّعار من المذهب، وصارت سمة للشّيعة في كلّ زمان ومكان ورمز ولائهم وسرّ قوّتهم، وبالتّالي فإنّها لازمة وإن لم تكن جزءاً منصوصاً من الأذان، أقول ذلك بغض النّظر عن صحّة ورودها في الأثر.

وكيف كان، فإنّ الشّهادة الثالثة من أهم شعائر شيعة أهل البيت (ع) جنباً إلى جنب الشعائر الحسينيّة التي أسّس النبي (ص) وأهل بيته G مبادءها وأوروا وقدتها وسعَوا إلى خلودها وكان سعيهم مشكوراً وعملهم مقبولاً نامياً، فتمكّنت من نفوس الشيعة بشكل معجز، ونقلها الأوّلون للآخِرين.

ولم تخلُ بعض مظاهرها من نقد أيضاً، وقد تعرّض المؤالفون والمخالفون لمظاهر الولاء والحزن في أيّام عاشوراء، بمسمّى النّقد تارة، والتصحيح والتنزيه تارة أخرى،وكانت الشعائر أقوى من الجميع.

وممّا يثير الدّهشة أن يتخلّف بعض بني الإسلام عن رفع شعار الحسين (ع) بينما يرفعه الوثنيّون وأبعد النّاس عن الإسلام، ولقد رفع الزعيم الهندي المهاتمة غاندي الحسين (ع) شعاراً إذ قال: " تعلّمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر ". فـأيـن غـاندي من الحسين (ع) !؟ وأيـن الهـندوسية مـن الإسـلام !؟ وهل هو هذا الدّرس الذي به استطاع إحكام قبضته على قلوب الملايين من الشعب الهندي !؟

وأعتقد أنّه لم يكن له كل هذا النّجاح لولا تأثره بالإمام الحسين (ع) وتمكّنه من أعماقه ووجدانه، الأمر الذي غضّ المسلمون عنه طرفهم فاستعبدهم عدوّهم وصارت أمجادهم مـجرّد ماضٍ ولّى في غابر الزّمن.

ولقد كان غاندي حرّاً في فكره فانتصر، لا يحدّ ثقافته دينٌ عن حكمة، وقد كتبوا في سيرته أنّه كان يخصّص وقتاً من يومه للتدبّر في القرآن الكريم، ويستوحي تعاليمه، وهذا أمر يفرضه التأثّر بسيّد الشّهداء (ع) على أيّة حال.

وراح شاعر النصارى بولس سلاّمة يدوّي في رثاء الإمام الحسين (ع) ضمن ملحمته الكبرى التي بلغت ثلاثة آلاف بيت سمّاها " عيد الغدير " وفيها يتغنّى بمجد بطل الإنسانية أبي الحسين أمير المؤمنين (ع) .

ويقول الكاتب المسيحي انطون بارا: " الثّورة التي فجّرها الحسين بن علي (ع) في أعماق الصدور المؤمنة والضمائر الحرة هي حكاية الحرية الموؤودة بسكّين الظلم في كل زمان ومكان وجد بها حاكم ظالم غشوم، لا يقيم وزنا لحريّة إنسان، ولا يصون عهدا لقضية بشريّة، وهي قضية الأحرار تحت أي لواء انضووا، وخلف أيّ عقيدة ساروا ".

( راجع الحسين في الفكر المسيحي للكاتب المسيحي أنطون بارا ص 21 الطبعة الثانية 1400 هـ.)

لقد وصل صوت الحسين (ع) لهؤلاء الأحرار فانضووا تحت رايته، وواجهوا نور برهانه بحريّة فهداهم إلى سرّ من أسرار نصره وهيمنته، ولا أشكّ في أن بلوغ هؤلاء ذلك الصّوت المقدّس لم يكن إلاّ بفضل الشّعائر الحسينيّة.

ونحن نرى كلّ ملة ونِحلة تستعرض طقوسها وشعائرها الدّينيّة لتسمع البشريّة فكرتها ومقالتها في رسالة إعلاميّة خاصّة ، فاليهود لهم مظاهرهم الخاصّة وتنقل وسائل الإعلام بعضاً منها، والنّصارى لهم سماتهم التي يعرفون بها، وصليبهم في كل مكان يعكس تاريخهم ونظرتهم، وللمسلمين ما يميّزهم عموماً في شعاراتهم، ولشيعة أهل البيت G شعائرهم الخاصّة التي إتّسموا بها وصارت سمة لهم يعرفون بها.

ومعلومٌ أنّ لكل أمّة طقوساً تنكرها الأمم الأخرى، وإنّ منها أمماً دارجة على طقوس تثير استغراب أو اشمئزاز الأمم الأخرى، بل وتعدّ في بعض الأحيان ضرباً من الجنون والسّفه، ومثيرات العجب كامنة في خصوصيّات كلّ أمّة أو حضارة، فهي مقتضيات كلّ بيئة وشؤونها، كما أن الأمم تختلف كذلك في اللغة واللباس وسائر مظاهر الحياة، وتُقاس قوّة طقوسها بحسب قوّة إيمانها بقضيّتها، وتحرص على الشّعار بقدر تعبئتها النفسية وصلة الطقوس بوجدانها الدّيني.

 

شعائر

ونستطيع أن نجزم أنّه لا مثيل للشعائر الحسينية في الملل والنحل الأخرى من جميع الحيثيّات، فقد أحكم الدّين تأسيسها وأرجع أمرها - كما دلّت النّصوص - إلى عموم الحزن والبكاء والإبكاء، ولم يحبس الأئمة (ع) إظهار الأحزان في شاكلة معيّنة خاصّة، بل أطلقوا (ع) عنان الحزن بحسب البيئة والطّبيعة، فلكلّ أمّة أن تعبّر عن حزنها بما تألف وتعرف وتعتاد، ولكلّ بيئة أن تَبكي وتُبكي بأسلوبها المألوف عندها، وليس لنا أن نستنكر ذلك عليها ما دامت تعبّر عن حزنها بطريقتها مواساة لأهل البيت (ع) .

وعلى هذا فإنّها في كلّ الأحوال مشيّدة لأصل الإسلام ومباني دعوته، وقد أرسى أهل البيت (ع) قواعدها امتشاقاً لحسام الرّفض وإنكار المنكر، وتشييداً للحبّ والأمر بالمعروف والدعوة للسّلام، وشحذاً للنفوس الطّافحة بالولاء العلوي، وتجديداً للبيعة بالولاء والطّاعة لأولى الأمر (ع) الذين فرض الله سبحانه طاعتهم، واستعداداً للبذل في نصرتهم، وتعبأة للأنفس بالإنتظار لفرج آل مـحمّد (ص) .

ولم يجعلوا (ع) عذراً لأحد في التخلّف عنها تحت أيّ ظرف كان، وعدّوا التخلّف عن ركب الشعائر الحسينيّة جفاءً لا مبرّر له، ولم يُسقطوها في أحلك الظروف وأعصبها، لأنّها تمثّل الخيط الباقي للإسلام بعد استحكام قبضة الجور، وبها تُحفظ معالم التوحيد والنبوّة والإمامة، فأجمع أهل العلم على وجوب رفع هذا الشعار وإحياء الشّعائر الحسينيّة على كلّ مؤمن، واعتبروا إحياءها في أحلك الظروف واجباً كفائيّاً.

وقد صدر النصّ في أعتى الأيّام على الأئمة (ع) وأشدّها وأعنفها بالتشديد على شعائر المذهب ومظاهره، وفي أوج فترة التقيّة التي بالغ العبّاسيّون فيها في تتبّعهم ومراقبة شيعتهم وزجّهم في السّجون شدّدوا (ع) على تشييدها وإحيائها. فقد روى الشّيخ المفيد (ره) في ‏المزار عن أبي مـحمد الحسن بن علي العسكري (ع) أنه قال: علامات المؤمن خمس، صلاة الإحدى والخمسين، وزيارة الأربعيـن، والتـختّـم فـي اليمين، وتعفير الـجبيـن، والجهـر بـبسم الله الرحمن الرحيم . 

( راجع كتاب ‏المزار، باب فضل زيارة الأربعين ص (53)، وتهذيب‏الأحكام (6/52)، ووسائل ‏الشيعة (4/58) و (5/81) و (14/478)، وبحار الأنوار (79/292) و (82/76) و (95/348) و (98/106 و 329)، وإقبال ‏الأعمال ص (589)، وروضة الواعظين (1/195)، وعوالي ‏اللآلي (4/3). )

ليُذكّر الإمامُ (ع) بوجوب التمسّك بالمظاهر الخاصّة التي صارت سمة يُعرف بها أتباع أهل البيت (ع) ، يعرفون بها في طقوسهم وعباداتهم مهما كانت الظروف، ويؤكّد من بينها على زيارة جدّه الحسين (ع) في يوم الأربعين مهما كانت العوائق، فلا مناص من الزّيارة ولو على الخوف!!

ولقد حمل الشّيعة هذا اللواء في حلوهم ومُرّهم ورخائهم وشدّتهم، في كلّ زمان ومكان، حتّى أمكننا الجزم أكيداً وبعد اتّصال العالم البشري إعلاميّاً أنّه لم يبق أحدٌ لم يبلغه الإسلام والولاية وصوت الحسين (ع)، ولم يبق مستضعف ليحتجّ على الله تعالى فيقول أنّه لم يسمع باسم الحسين (ع)، ولم يعرف من هو الحسين (ع) ؟ هذا بفضل تأكيد هذه الشّعائر .



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «3»

26/02/2014م - 4:56 صبويوسف - الكويت
احسنتم شيخنا العزيز وادام الله ظلكم لخدمة الطائفة
25/02/2014م - 5:33 ممهيب الاعرجي
قرات موضوع الشعائر الحسينية في افاق اللغة والاصطلاح الديني وتوجد فيه بعض الملاحظات:-

&#x0661;ـ ان العنوان لم يبحث بشقه اللغوي بشكل موسستوعب وعلمي فالباحث بين المعنى المستعمل فيه للشعائر ولم يبين اصله اللغوي كما وعدنا
&#x0662;- ان الباحث قبل ان يدخل في البحث اللغوي بين مقدمة بسيطة برر فيها البحث وكانت قاصرة عن المراد
&#x0663;-انه قال ان الدين هو الاحكام الواصلة الينا الخ والمعلوم ان الدين ليس فقط احكام بل عقائد واخلاق وغيرها ثم ان مصادر التشريع في نظرية المعرفة الاصولية تمتد الى السيرة بقسميها والاجماع الكاشف ولاتقتصر على الرافدين المذكورين اللهم الا ان نقول انه لم يكن في صدد تعداد

&#x0664;-ان التعبير عن الشهادة الثالثة بنحو يشعر عدم وجودصحة في النصوص التي ذكرت الاذان ليس في محله فقد وردت روايات بعضها صحيحة وبعضها موثقة في ذلك مثل صحيح ابن اذينة وموثقة طريف
25/02/2014م - 3:15 صعمار الجبوري - العراق
احسنتم فقد وضعتم النقاط على الحروف



اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:  
عدد الأحرف المتبقية: