09/06/2011م - 2:28 م | عدد القراء: 3143
الإنسان الملائكي .. بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطّاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين
بين يدي الإنسان في مسلكه طريقان ، طريقٌ ممهّد معبّد يشعّ بنور الفضيلة والقيم ، وطريقٌ وعرٌ متعرّجٌ يعجّ بالظّلمة والتّيه والضياع ، وله أن يختار أيّ السبيلين يسلك في حياته التي تمثّل في واقعها معركة محتدمة بين الخير والشر ، يقول الله تعالى : " إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا " . ويختار الإنسان بنفسه أن يتسافل في أسفل درجات الحضيض ، فيضع نفسه موضع البهيمة همّها علفها ، يُعطّل عطايا الله عنده ويحرم نفسه من كرامة العقل ويهوي في منسحق الشهوات ، يشبعها من حيث تأتّت ، يقول تعالى : " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ ".. وقد قيل إنّ مثل طالب الدّنيا السّاعي في كسب شهواتها كمثل رجل فرّ في صحراء من سطوة أسدٍ عظيم ، ليلوذ في بئر عميقة قد تدلّى فيها حبلٌ ، فينزل متمسّكاً بالحبل إلى وسط البئر ، فيرى أمامَه في جدار البئر عسلاً متّسخاً !! فالأسد يرقبه من فوقه ، ويرى في أسفل البئر أفعى قد فغرت فاها تنتظر سقوطه لتبتلعه ، ثمّ يلاحظ فأران ـ أبيض وأسود ـ وهما يقرضان الحبل الذي تعلّق فيه .. فتأمّل في حال هذا الرجل ، فبينا سلطان الأسد العظيم من فوقه ، وأفعى الموت من تحته ، والفأران الأبيض والأسود يقرضان حبله ، كالليل والنهار ، إذ ينشغل بأكل عسل متّسخ لاهياً بحلاوته وهو في بحبوحة الأهوال والمخاطر !! هذا .. وللإنسان أن يرقى إلى مستويات الملائكة ، فقد منّ الله تعالى عليه بالعقل ، وأخدمه الملائكة ، وفضّله على كثير من خلقه ، قال تعالى : " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا " .. فإذا انقاد إلى عقله ساقه إلى طاعة الله تعالى ، فكان له من شهواته ما يقرّبه إلى الله تعالى ، فهو في طاعة مطلقة ، ينعم برضوانه ويحاكي أحوال الملائكة الأبرار ، لا يغريه المال ولا الجاه ولا الولد عن طاعته ، متشبّهٌ بأفعال الملائكة المقرّبين .. ومن هذا المنطلق فقد ورد في كثير من الأخبار الترغيب في المحاكاة والتشبّه بالصالحين.. فمن لم يكن ملائكيّاً فليتشبّه بالملائكة !! وإنّ من أهمّ مميّزات الصائم أنّ تفضّل عليه الله تعالى بجعله ملائكيّاً في كل حالاته ، بعدّ أنفاسه التي تتردّد في شهيقه وزفيره تسبيحاً له !! كما جاء في الحديث : " أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم عبادة " فمنزلته من جهة منزلة العالم الذي يعدّ نومه عباده ، ومنزلته من جهة أخرى منزلة الملائكة الذين لا يفترون عن تسبيح الله تعالى .. قال أمير المؤمنين عليه السلام : " صافون لا يتزايلون ومسبحون لا يسأمون " .. وإذا كان الله تعالى قد منّ على الصائمين أن شبّههم بالملائكة في أن جعل أنفاسهم في شهر رمضان تسبيحاً ، فإنّ الملائكة قد تعلّمت تسبيحها من أهل البيت عليهم السلام أصلاً ، فقد روي عن ابن عبَّاس قوله : كنا عند النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فدخل علي عليه السلام فتبسم له ، وقال : مرحبا بمن خلقة الله قبل آدم بأربعين ألف عام ، قلت : أ فيكون الأبن قبل الأب ؟ قال : إن الله خلقني وعليّاً قبل آدم بهذه المدة ، خلق نوراً فقسمه نصفين ، وخلق الملائكة فسبّحنا فسبحت الملائكة . وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام : " نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمّه لنا عبادة " ، فالمتأوّه المهموم على ما أصاب أهل البيت عليهم السلام والصائم في شهر رمضان مشتركان في هذه الكرامة العظيمة . التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0» لاتوجد تعليقات!
|