» المهدي عجل الله فرجه رحمة الله الواسعة (2)   » باب الله (1)   » خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1445 هجرية   » حقيقة الإيمان   » ماذا نهدي لإمام زماننا عجل الله فرجه الشريف   » القوم والعشيرة   » الخدم و المماليك   » صلة الأرحام   » إمام زماننا عليه السلام ميزان أعمالنا   » بر الوالدين (3)  


09/06/2011م - 2:38 م | عدد القراء: 2761

النفس الإنسانية هي عُهدة الله تعالى عند الإنسان ، وهي بحاجة مستمرّة إلى المراقبة والعناية ، حتّى يتسنّى لها أن تؤدّي وظيفتها وتتألّق في عكس الحقائق المختلفة بوضوح تام ، فهي كالمرآة التي تحتاج مسح الغبار والأتربة عنها دورّياً .. وتحتاج نفس الإنسان إلى مرافيء ومحطّات لجليها وتطهيرها...

في ضيافة الله ..
مقال نُشر في شهر رمضان المبارك في جريدة يوميّة الكويتية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطّاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين 

النفس الإنسانية هي عُهدة الله تعالى عند الإنسان ، وهي بحاجة مستمرّة إلى المراقبة والعناية ، حتّى يتسنّى لها أن تؤدّي وظيفتها وتتألّق في عكس الحقائق المختلفة بوضوح تام ، فهي كالمرآة  التي تحتاج مسح الغبار والأتربة عنها دورّياً .. وتحتاج نفس الإنسان إلى مرافيء ومحطّات لجليها وتطهيرها ، فالحجّ محطة يحتاجها الإنسان في العمر مرّة ، والصلوات الخمس خمس محطات يحتاجها خلال اليوم الواحد ، والصوم محطّة يحتاجها خلال كلّ سنة مرّة .
وكما أنّ الإنسان يتهيّأ لاستقبال العظماء فمن الطبيعي أن يتهيّأ لاستقبال محطّة كماله وتنقيته وتطهيره ، ومن هنا فقد كان النبي الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم يستقبل شهر رمضان ويتهيأ له ويهيّأ النفوس لمقدمه .. وعلى ذلك كانت سيرة أهل البيت عليهم السّلام ..

ومن جملة مظاهر استقبال النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم ما رواه الشيخ الصدوق (ره) من خطبته الشريفة قبل حلول شهر رمضان : " أيها الناس ، أنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله من أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات ، شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامته ، أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب ، فإن الشّقيّ من حرم غفران الله في هذا الشهر ".

والملاحظ أن كل فقرة من كلماته صلى الله عليه وآله وسلّم تتفجّر عن حُزمة من أنوار الحقائق والمعارف ، وكلّها يستحق التأمّل والوقوف والتدبّر ، ثمّ يتوّج بيانه الشريف بقوله : " شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله " .. فهي  دعوة سخيّة من ربّ العزّة لعباده بكلّ أطيافهم وأنواعهم إلى مأدبته ، ومن الواجب قبول الدعوة وبالتّالي مراعاة حرمة الظّرف الذي سيتم فيه إستقبال الضيوف ، ومن العقل والحكمة والأدب أن يصوم ويُمسك الضّيفُ عن كلّ ما يشين بهذه الضيافة ، وهذه هي المرحلة المُثلى التي سمّاها الحديث الشريف " صوم الجوارح " ، والجوارح هي الأعضاء التي يكتسب فيها الإنسان ثواباً أو عقاباً !!

صوم الجوارح :
وينبغي أن نضع أيدينا على تلك الجوارح .. لنعرف معنى صوم كلّ واحدة منها على الوجه المطلوب .. فالقلب هو رئيس الجوارح ويعني صومه إمساكُه عن كل مفسدة روحيّة وفكرية ، كالمعاصي والذنوب والخواطر السيئة والظلم والميل إلى الباطل وما شابه ذلك ، فيمكن للإنسان عبر هذه الطريقة أن ينقطع بقلبه إلى الله تعالى ..


قال بعض علماء السّلوك : أنّ للقلب طريقين إلى الله تعالى ، الأوّل قصدُهُ سبحانه بعد معرفته ، وهو سبيل الأولياء والخواص ، والثّاني هو سدّ السّبل والذرايع ليكون التوجّه قهراً إليه تعالى ، وبذلك يتحقّق الإنقطاع ، وهو سبيل عامّة النّاس ، وبصوم الجوارح تتحقّق هذه الصورة اللطيفة من سدّ السّبل الأخرى والإنقطاع القلبي إليه ، فيتعلّق القلب بالله تعالى وبأوليائه وينشغل عن غير ذلك .

ويتلو القلبَ اللسانُ من حيث الأهميّة ، فهو من تضجّ منه الأعضاء خوف أن يجور عليها فيوردها النّار ، ويصوم عن الظّلم والغيبة والتهمة والبهتان والتهمة ، ليقتصر على ذكر الله تعالى وذكر ما أحب ، وهكذا تصوم الأذن عن سماع المحرّمات كالغيبة واللغو والغناء وما شاكل ذلك من المحرمات وتستمع ما يقرّبها لله تعالى ..  وتصوم اليد عن الظلم والبطش والسرقة والشبهة وعن اكتساب المحرّمات ، وتسعى في طاعة الله تعالى ، وتصوم الرجل عن السعي في أذى المؤمنين والفتنة ومجالس البطّالين وما إلى ذلك ، وتقتصر مساعيها على الطّاعات ، وتصوم العين عن النظر المحرّم وتتبّع العورات ، ولا يمتدّ مداها إلاّ في محيط رضاه وطاعته .

فتكون الجوارح كلّها في طاعة الله تعالى ، بعيدة عن معصيته ، منفتحة على الإمتثال لأوامر الدين ، ممتنعة عن نواهيه ، ويكون قلب المؤمن عرش الرحمن ـ كما جاء في روايات أهل البيت عليهم السلام ـ فالجوارح ممتثلة لرضوان الملك الجبّار في هذا الشهر الكريم ، متعوّدة على ذلك في سائر الشهور والأيّام على مدى أيّام السنة ، فيليق للعبد المؤمن حينئذ أن يكون في ضيافة الله وكرامته في شهر رمضان وفي كل شهر ، ويتضح حينئذ معنى الحديث الشّريف : " كلّ يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد ".



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!




اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:  
عدد الأحرف المتبقية: