» مجلس شهادة الإمام جعفر الصادق عليه السلام   » باب الله (3)   » المهدي عجل الله فرجه رحمة الله الواسعة (3)   » باب الله (2)   » المهدي عجل الله فرجه رحمة الله الواسعة (2)   » باب الله (1)   » خطبة عيد الفطر المبارك لعام 1445 هجرية   » حقيقة الإيمان   » ماذا نهدي لإمام زماننا عجل الله فرجه الشريف   » القوم والعشيرة  


09/06/2011م - 7:55 ص | عدد القراء: 1345

هو عبارة عن مخالفة الإسلام في منهجه الوسطي ، وهو مرض تتعرّض له الأديان والأطياف والتيارات كلّها ، لأنّ منطلقه الأساسي هو الجهل بأسس الإسلام المحكمة القائمة على الإعتدال ووضع الشيء في موضعه ، ويتمّ الجهل بالدّين بتغييب دور مناهل العلم التي نصبها الإسلام الكفيلة بمحق الجهل...

التطرّف

إجابات على محاور مختلفة نُشرت في جريدة يوميّة كويتية

 

ما هو التطرّف ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطّاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين 


التطرّف هو عبارة عن مخالفة الإسلام في منهجه الوسطي ، وهو مرض تتعرّض له الأديان والأطياف والتيارات كلّها ، لأنّ منطلقه الأساسي هو الجهل بأسس الإسلام المحكمة القائمة على الإعتدال ووضع الشيء في موضعه ، ويتمّ الجهل بالدّين بتغييب دور مناهل العلم التي نصبها الإسلام الكفيلة بمحق الجهل ، والكفيلة بسعادة الفرد والمجتمع في ظلّ آداب تمنع الإعتداء على الآخرين وتحترم مقدّساتهم ودماءهم وحرماتهم . والتطرّف في منهج أهل البيت (ع) هو التقدّم على منهج الإسلام أو التأخّر عنه ، وقد حذّروا من ذلك لأنّه يؤدّي إلى الضياع ، فالأمّة الإسلامية هي الوسطى في منهجها وأحكامها وسلوكيّاتها ، وبالتّالي فالتطرّف حالة طارءة على الواقع الإسلامي ، وإن شكّل المتطرّفون حالة أو ظاهرة فيه ، وهو إحدى صور الجهل وإن كان ظاهرة في مجتمع ما .


وقد تحسّب الإسلام لهذه الظاهرة على جميع المستويات ، وعالج شرارة الإنطلاقة الأولى في صدره الأوّل ، ويمكننا أن نلمح معالجته على محورين :


1. الدّستور : فأحكام القرآن شأنها الإعتدال والوسطيّة في كل مضامين أحكامها ، سواء على الصعيد الفكري أو السّلوكي ، أمّا على صعيد الفكر فقد قنّن القرآن قانون الإعتدال ، وفيه : [ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ] فهو المنهج القويم لميزان القضايا الفكرية والإعتقادية .. وأمّا على صعيد السلوك فقد قنّن العمل الإنساني في عباداته ومعاملاته وفق هذا المنهج ، في الإنفاق والإمساك : [ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ] وكذا الحال في الإخاء والعداء وباقي المفاهيم ..
والنقطة الحاسمة أنّ الإسلام لمّا شهد تطرّف السلوك في منحاه الخطير تصدّى له وشجبه ، وقد ظهرت ظواهر تدخّل فيها الدّستور الرّباني لردّها إلى المنهج الوسط ، كما شجب نكران الذّات وقمع الشهوات لمّا هجر عدّة من الصّحابة نساءهم وتفرّغوا للعبادة فجانبوا الحالة الوسطى في حالتهم مع الله وجانبوها في سيرتهم مع أسرهم ، والشّواهد ليست عزيزة في هذا الباب .


ويقف الإسلام وقفة واضحة في وجه قمّة التطرّف إذا تعدّى الفكر إلى إبادة الآخر ، فهو السلوك الذي يبرأ منه الدّين ، وقد ظهرت ظواهر دعّمها بعض التيارات السياسيّة منذ القدم أساسها  التكفير ، وحاولوا منهجتها بتسييس النصوص الدّينية ، ويستلزم التكفير لوازم مقاطعته ونفيه وحربه وإبادته ، وهو محور الخطأ الجسيم الذي يتبنّأه البعض اليوم وقبل اليوم ، والقرآن له منهجيّة واضحة في هذا الصدد ، فيقول : [ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ] فإنّ أخطر المناهج نفي المسلم عن الإسلام !!


التطرّف هو مرض من أمراض المتديّنين في كلّ دين ، وكلّ إنسان معرّض لجهل مختاره من المناهج ، والأمر الخطير هو إبداؤه عن كتم القلب من الفكر إلى السلوك ، كحالة تشكّل الخطر على المجتمع ، إذ أنّ حاله كحالة الحسد ، المرض القلبي الذي لا يخلو منه إنسان ، إلاّ أنّ الخطر هو إظهاره ، وقد دلّ حديث عن النبي (ع) على أنّه وُضع عن أمّته الحسد مالم يظهر في قول أو عمل !!

 


2. القائم على الدّستور : وبحسب معتقدنا أنّ الأمين على الوحي هو النبي (ص) والأئمة (ع) الذين بذلوا غاية الجهد في شرح القرآن وتفسيره وبيان هذا المنهج القويم ، وسيرتهم تقرّ مبدأ الوسط وتؤكّد مفهومه في جميع الإتجاهات ، ومنهجيتهم الأولى في حرب التطرّف الفكري والسلوكي هي العلم ونفي الجهل ، فالإمام الصّادق (ع) يقول : " وددت أن تضرب رؤوس أصحابي بالسياط حتّى يتفقهوا " ، فالتطرّف هو أخ الجهل ولا يمكن إعدام الجهل بحال ، إلاّ بالتأكيد على العلم .


وهذا تاريخ أهل البيت (ع) بين يدي الجميع يشهد لهم أنّهم لم يستهينوا بحرمة مقدّسات غيرهم ، ولم يكرهوا أحداً على دعوتهم .. وكان هذا هو منهجهم في أوج قوّتهم وتمكنّهم ، فقد واجه أحدهم أمير المؤمنين (ع) في خروجه إلى صفّين وكان حاكم الدّولة وخليفة المسلمين ، وقال له : إني لا أجتمع معك في جمعة ولا جماعة ولا أخرج معك في حرب !! فردّ عليه أمير المؤمنين (ع) بما يؤدّي أنّ هذا لا يهم ما دام المسلمون منه في مأمن !! فهو يؤسّس الإعتدال كمنهجيّة حتّى تجاه التطرّف إذا لم يضر بالمسلمين .. وقد واجه أمير المؤمنين (ع) أوضح فئات التطرّف في تاريخ الإسلام ، وهم الخوارج الذين يعتبرون قتل المسلم الذي يخالفهم وقتل الخنزير شيء واحد ، لكنّه في مقام تعريفهم تحدّث (ع) عنهم باعتدال ووصفهم بالإخوان البغاة !!


دور المسجد في علاج التطرف

أعتقد أنّ كلّ الأديان والمذاهب والتيارات والأطياف معرّضة للتطرّف ، بما أنّ الإنسان معرّض للجهل ، وعدم التوجّه الصحيح إلى قنوات العلم المثلى دافع إلى تلقّي الأخطاء والشّبه ، وقد يساعد سنّ الشباب بمقتضياته على الميل إلى التطرّف وتبنّي الأفكار المتقدّمة أو المتأخّرة عن الإسلام ، إلاّ أنّ ذلك في طور الفكر قابل للعلاج ، والأمر الخطير إذا انعكس على العمل والسلوك ، والأخطر إذا شكّل الظّاهرة ، وإن بدى في بعض مظاهره فيأتي دور المربّين والعلماء بالدّرجة الأولى .
أمّا رسالة المسجد هي رسالة مدرسة الإسلام بتعاليمه السّمحاء ، وقد اعتمد النبي (ع) على المسجد في تدشين مسيرة العلم ، فهي جامعته العلميّة التي صنع منها علماء الأمّة ، ومنها قارع التطرّف بكلّ أنواعه .. ويعتمد المسجد في تأثيره اليوم على المربّي الذي يدير دفّة التوجيه فيه ، ولا شكّ أنّ المهمّة ثقيلة على الإمام والخطيب والموجّه فيه ، لأنّ ذلك يستدعي عقليّة ملمّة بفكر الإسلام ووعياً تامّاً لمناهجه وتقديراً للمخاطر المحدقة اليوم بالإسلام والمسلمين ، وقبل كلّ شيء يحتاج الموجّه فيه إلى تزكية النفس التي تسوقه إلى خوف الله تعالى ومسؤولية الكلمة .

المنبر الحسيني والتطرّف

 منبر الإمام الحسين (ع) صرخة يرنّ صداها في وجه التطرّف ، ومجالس الحسين (ع) شأنها التأكيد على ذلك ، فقد نهض الإمام في وجه حاكم ظلوم غشوم مستهتر ، شكّل تصدّيه حالة خطيرة صدّعت معالم الإسلام وفلّلت أقطاره بامتناع أعيان التّابعين عن بيعته وقبوله !! والمنبر يعزّز شعارات الحسين (ع) التي رفعها يوم عاشوراء ، وتعزّز العلم ، وتعرّف النّاس بأهدافه (ع) ، فقد كان شعاره الإصلاح في أمّة الإسلام ، وهو أولى النّاس بذلك ، إذ ظنّت قوى التطرّف أنّها ستبيد صوته ، وفجّرت بقتله براكين الإستنكار القائم ما دامت الأرض والسماء .


والمنبر الحسيني شأنه شأن الخطاب الإسلامي في المسجد على حدّ سواء ، ويأتيان في سياق القرآن الكريم في تعاليمه وهديه ، إلاّ أنّ القرآن سلاحٌ ذو حدّين ، وهو دستور حمّال ذو وجوه ، وينبغي أن يحتج به العالم بناء على منهجيّة سديدة وفق معاييره الخاصّة وبناء على السيرة الصحيحة ليؤدّي إلى الهدى والحق ، وأرى أنّه يؤدّي اليوم هذه المهمّة بالوجه الأكمل ، ويضمن الأمان في المجتمع ويؤكّد على الثوابت وينشر الوعي بمسؤولية كاملة ، ودوره واضح في هذا المجال ، والخطباء وأصحاب المجالس يعون ذلك بشكل جيّد .

نهضة الحسين (ع) وردّة الفعل الشيعيّة

نمّت النهضة الحسينية عن ظلامة صارخة في تاريخ الدنيا ، فيوم عاشوراء هو اليوم الذي قتل فيه ابن بنت نبي آخر الزّمان الذي بشّرت به الأديان ، في وقت لم يكن على وجه الأرض ابن نبي غيره !! وقد كان النبي (ع) قد عزّز مكانته باتفاق المسلمين ، وأوجب حبّه وفرض مودّته ونصّ على إمامته نصّاً جليّاً واضحاً .. فطفحت هذه الظلامة على وجدان الشيعة ، وباعتبارهم التيّار الأقرب إلى أهل البيت (ع) فقد امتاز حزنهم عليه ، وترشّحت أحزان النّاس بعد شهادته عن منهجين :
1. التطرّف : وسرعان ما تحوّلت ردّة الفعل الشيعيّة إلى معركة الثأر ، وقد تفانى التوابون في عين الوردة واستشهدوا في معارك مدوّنة في التاريخ ، وأعقبته تصدّعات في جميع أقطار الإسلام ، وانطوت بشهادتهم صفحة مشرقة من تاريخ الشيعة المجيد وحقّقوا غاياتهم بحسب فهمهم لواقعهم ، وليس هذا بتطرف مذموم ، فمن يقرا تاريخ التوابين وكيفيّة مواجهتهم الشهادة يدري أنّهم في قمّة الوعي السلوكي ، إلاّ أنّه منهج خاص لا يعمّ كل الأمّة .


2. التوازن : يقابل هؤلاء منهجية أهل البيت (ع) الذي استثمروا مظلومية الحسين (ع) لصالح الإسلام في شعائر حزن باقية إلى أن تصيح السّاعة ، وبذلك فإنّهم (ع) ضمنوا بقاء الصّرخة الحسينية المدوّية في وجه تطرّف الحزب الحاكم والظّلم في كلّ وقت وزمان . وإذا كانت هذه هي ردّة الفعل فهي مشرّفة ، وقد منهجها أئمة أهل البيت (ع) لتكون الصوت الذي يدعو النّاس عامّة إلى الإسلام ويضع أيديهم على مكمن الخلل .

علاج التطرف لدى شباب الشّيعة

الكلّ معرّض للجهل والخطأ ، ولكنّي لا أعتقد بوجود حالة التطرّف لدى شباب الشيعة كظاهرة ، وإن كان فهو في حيّز الفكر ، وهذا قابل للتوجيه والسيطرة ، وإن بدى في أوّل مراحل السّلوك فهو شذوذ عن الحالة العامّة ، وإنّي لا أعتقد أنّه يرقى إلى العدوانيّة ونفي الآخرين ، خصوصاً وإنّ المرجعيّات الشيعية هي عصمة الفكر والعمل ، ودور المرجع الديني هو دور الأب المربّي والمراقب ، ومراجعنا بحمد الله يتمتّعون بوعي كامل وهم على مستوى المسؤولية .


أمّا الصيحات التي ظهرت أخيراً وأحدثت ضجة طائفية فلا تستطيع قوّة السيطرة على ردود أفعال النّاس عموماً ، فيجب علينا أن نبحث في العوامل التي أهاجت البعض ليطلقوا ما يثير الطائفية ، فالواقع التاريخي يشهد بكون سب معاوية لأمير المؤمنين (ع) ولعنه قد أدّى لردّة فعل كبيرة في عالم التشيّع ، ولستُ أبرّر لأحد أخطأ ، لكنّ وجود من يسبّ الشّيعة ويشنّع على رموزهم ويهزأ بمقدّساتهم ويعلن بكفرهم في المجتمع الواحد المتآلف الذي يضمّ المذهبين يحرّك ردّة الفعل المتناسبة قوّة حيال ذلك ، وهذه معادلة واضحة ويجب أن يفهمها المسؤولون وأهل العلم والنخب الدينية والعلمية والإجتماعية والسياسية ..


وتجرّ هذه الأجواء إلى خطأ الأغرار والمبتدئين دائماًً ، وتحرّك الشباب بالخصوص وبعيداً عن النضج والعلم إلى الثأر للفكر والمعتقد ، ولو كان ذلك على خلاف تعليمات الأئمة (ع) وإرشادات المرجعيّة وعلى حساب الدّين والوطن. فينبغي دراسة التطرّف بأسبابه بموضوعية وبعيدة عن التشنّجات ، وينبغي وزن الأمور بميزانها المعتدل والكيل بمكيال واحد ، ولا بدّ من وعي واقع الحال وعدم معالجة التطرّف بتطرّف .



التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقعالتعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!




اسمك:
بريدك الإلكتروني:
البلد:
التعليق:  
عدد الأحرف المتبقية: